الثلاثاء، 1 مارس 2011

نحن أُمة تقرأ ، ولكن ..

http://www.egyptlabtours.com
محمد إسماعيل الصيفى
0108230096





" الجوعى لا يمارسون الفضيلة "
منيشيوس ، فيلسوف صيني






" أن العرب أمة لا تقرأ وإذ قرأت لا تفهم وإذا فهمت لا تعمل " تُنسب هذه المقولة للعنصري السفاح الصهيوني موشي ديان ، سبب قولها ـ كما يُنسب ـ أنه نَشر بعضا من خطط حرب 1967م وعندما سؤل أجاب بهذا الجواب .

مقولة رددها مُغرضون وبغبغاوت ، وسأبدأ من سبب قول هذه المقوله ، أن نشر أوعدم نشر خطط الحرب لا يُغير من مجرى الحرب بالنسبة للشعب الذي يقرأ مخطط جيش معادي أو لا يقرأ ، لأن قرار الحرب منوط بالقادة السياسيين والعسكريين لأي أمة .

عندما كانت المقاومة العربية في أوجها في حرب عام 1948م تم أيقاف كُل شيء بأمر من الحكومة المصرية ، قال اللواء سيف الدين ـ وكان قائد الجبهة وكان هو رئيس الوفد المصري المفاوض في رودوس ـ حين سأله كامل الشريف عن سبب حصول اليهود على الأراضي الفلسطينية بسهولة في خضم المقاومة العربية فأجابه بكل بساطة : ( نحن اعتبرنا كل أرض ليست مصرية هي إسرائيلية ) ، وفي نفس الحرب بعث المجاهد عبدالقادر الحسيني رسالة إلى جامعة الدول العربية بتاريخ 6 أبريل / نيسان 1948م نصُهَا : ( أني أُحَمّلُكم المسؤولية بعد أن تَركتم جنودي في أوج أنتصاراتهم بدون عون أو سلاح ) . في اليوم التالي أستُشهد هذا القائد بسبب نفاد الذخيرة ثم سقط القسطل في أيدي اليهود وبعد يومين وقعت مذبحة دير ياسين .

ومثال أخر ، فيما يسمى الثورة العربية للشريف حسين بن علي فإن سذاجة و جهل هذا الرجل بمكر الإنجليز أو تساهله أو حرصه على تنفيذ مصالحه ( التي وعده بها السير مكماهون في مراسلاته المعروفة باسم مراسلات حسين مكماهون ) جعله يُصدق هنري مكماهون ـ كان الممثل الأعلى لبريطانيا في مصر ـ ورمى عرض الحائط بكلام الثوار والقوميين العرب والسوريين المتواجدين في مصر عندما أبلغوه عن مكيدة الإنجليز وعن ـ ما يسمى ـ وعد بلفور الذي نشرته الصُحف البريطانية .
السلطان عبدالحميد الثاني كان واعيا لما أراده اليهود في فلسطين ، لذا رفض أن يبيع لهم قطعة أرض في فلسطين لما طلب ( ثيودور هرتزل ) منه ذلك ، وكذلك عندما أغروه بشراء مزارعهِ السلطانية في فلسطين بمبالغ خيالية ، لكن معرفة الرجل بما أراده اليهود وأخلاصه لأمته ـ رغم الضائقة المادية الكبيرة التي كان يمرُّ بها هو شخصيا وكذلك دولته ـ جعله يرفض طلبهم ، لكنه مع ذلك خسر حكمه ، فرفضه ذاك كان سبب أسقاط حكمهِ وجلب العلمانيين الماسونيين لحكم تركيا بالإضافة إلى ما كان يسمى بالثورة العربية . تلك أمثله أثبتت أن وعي الشعوب وحدها لا يكفي لنكسب حرب إذا كان قادة الحرب تابعين أو كانت لهم أطماعهم أو كانوا من المستبدين برأيهم . خلاصة الأمر أن سبب تلك المقولة باطل وهي محض أستهزاء بالأخر ليس إلا . فذلك السفاح البربري (ديان) يعلم علم اليقين أنه ما من قائد عسكري يمكنه أن يأخذ بخطة حربية ينشرها الخصم علاناً لأن أول ما يتبادر للذهن أنها مجرد مراوغة أعلامية أو مكيدة أو حرب نفسية من نوعٍ ما . وأما أسباب خسارة العرب تلك الحرب فلأسباب كثيرة كانت خلف خسارة حرب 1967 م وليس سببها عدم القراءة . رغم أني لا أنفي أن المعرفة مهمة جدا لكسب حرب في كل الميادين . من المغالطة القول بأن أمة بأكملها هي أمة مطلعة وتقرأ ، فكل أنسان ميسر لما خُلق له ، فهناك من يلتهم القراءة ألتهاما ومنهم من يراها ضربٌ من الجنون ومضيعة للوقت ، ومنهم أناس يكتفون للقراءة في مجالات تخصصهم فقط لأثراء معرفتهم فيها ، وأخرين بين أولئك . دائما نجد أنفسنا أمام من يقيم المقارنات بيننا وبين الغرب ، مع أن هذه المقارنة فيها أجحاف كبير في حقنا ، بالإضافة إلى المبالغة ـ وخاصة عند المنبهرين بالحضارة الغربية ـ في تمجيد كُل ماهو غربي دون أدنى منطق ، إذ نجدهم يبالغون مبالغة تحيدهم عن الصواب في أحيان كثيرة . الحضارة الغربية بها الكثير من الأشياء الجيدة ـ ولا أحد ينكر ذلك ـ لكن لنلجئ للمنطق في مقارناتنا ، يقولون الغرب يطبع سنويا كذا من الاف الكتب تفوق ما يطبعه العرب مجتمعين بكذا ألف مرة ، والغربي يقرأ كذا كتاب مقارنة بالعربي ، و غيرها من المقارنات . الغربيين يتمتعون بأسباب تمنح المقدرة على الإبداع وعلى تطوير الذات ، بينما لا تملك هذه الإمة ذلك ، و الغربيين ليس جميعهم يقرأون الكتب فكثيرون هم من لا يطيقون حتى مجرد ذكرها ، وليس كل الكتب التي يشتريها الغربيون هي كتب علم ومعرفة ، ثم أن الغالبية الساحقة من الغربيين تقتصر مطالعتهم على مجال عملهم وتخصصهم فقط ، فكل شيء مرتبط بالمادة عند الغرب ، فأنت أن كنت جاهلا في مجال تخصصك أو أخطأت فأنك ستتعرض لفقد وظيفتك بكل بساطة لأنك بالنسبة لتلك المؤسسات أنت آلة أنتاج تجلب لهم المال ، وهم ليسوا مستعدين للإحتفاظ بآلة لا تنتج أو أن أنتاجها غير مربح ، لذا فالمنافسة مستعرة ويجب عليك أن تثبت أنك جدير بوظيفتك . أنا لا أنكر وجود مثقفين غربيين موسوعيين ، لكن لولا المحفز المادي لما قرأ الغرب . أن دُور النشر والطباعة الغربية التي تقوم بطباعة ونشر الكتب تعمل على الترويج لتلك المواد الكتابية بنفس الطريقة التي تقوم بها شركات أنتاج السلع الإستهلاكية للترويج لسلعها ، ولا يخفى على أحد ما للأعلانات الترويجية من دور مهم وقوي في جذب الجمهور نحو فكرة ما ، تلك ميزة تتميز بها دُور الطباعة والنشر الغربية لا توجد في دور الطباعة والنشر العربية . أن العدد الكبير من الكتب التي يتم أنتاجها سنويا في الغرب ليست بالضرورة كتب علم ، فهي تحتوي على نسبة ضخمة من كتب السير الذاتية التي صار يمتهنها حتى عمال النظافة في الغرب بعد تقاعدهم من العمل ، بالإضافة إلى كتب تحمل ترهات ولكن يتم منحها أكثر مما تستحق مثل كتاب (صدام الحضارات ) لصامويل هنتنجتون و قبله فرانسيس فوكوياما في كتابه (نهاية التاريخ) وغيرهما ممن سبقوهما أو أتوا بعدهما من المُنظرين لتلك النظرية التي لا تحمل قيمة ، بالإضافة إلى القصص والروايات وغيرها . أنا لا أنكر وجود مشكلة لكنها ليست بهذه الطريقة التي يعرضها البعض ، ويروج لها ، وليست كما وصفها ذلك الصهيوني المتبجح ، أن الصهاينة جعلوا جُلَّ جهدهم لتحقير الحضارة العربية الإسلامية ، ولأظهار العرب والمسلمين بمظهر البرابرة الهمجيين البدائيين الذين لا يملكون حتى مميزات بشرية . وتلك عنصرية ليست بغريبة على من يعتقد نفسه شعب الله المختار . أن الاحصاءات التي تنشرها بعض الجهات لا تعتبر عملا أحصائيا حقيقيا ، فنحن لم نرى يوما عملا احصائيا لأحصاء من يقرأ الكتب ومن يشتريها ، ومن يهتم بها ومن لا يهتم . لذا فإن تلك الإحصاءات لا تحمل منطقا ، هي تظل مجرد تقديرات . فإنا أعرف الكثير من الناس يحبون القراءة كثيراً ، لكنهم نادرا ما يشترون كتابا وإنما يستعيرون الكتب من رفاق لهم أو يقومون بنسخها من أناس أو جهات معينة . لذا فإن عدد من يشتري الكتب يكون قليل بعض الشيء وبالتالي تعمل دور النشر لتقليل عدد النسخ الصادرة عن كتاب ما . وأن القارىء العربي صار يجد ضالته في الإنترنت ، حيث يتسع فضاء الحرية ولو الشيء القليل فأصبح يستطيع قراءة بعض الكُتب الممنوعة والمحضورة أن لم يكن جميعها . بالتالي هو ليس في حاجة لشراء كتاب يستطيع أجاده في النت . أما عن قلة العناوين التي يتم طباعتها سنويا في دور الطباعة العربية فالأمر يرجع إلى عوامل كثيرة وأهمها على الإطلاق عوامل أقتصادية وعوامل سياسية تلامس كل الوجهات بالنسبة للأقلام العربية : * أن قائمة الممنوعات التي تضعها الإنظمة المستبدة الخاضعة للرأسمالية الغربية تفوق كل التصورات ، وتتعرض الأقلام والعقول العربية للإضطهاد والملاحقات والتنكيل وأساليب التضيق عليها ، وأني أعلم الكثير الكثير من الكتاب العرب الذين لهم كتابات لم تطبع إلى الآن رغم أنهم فرغوا من كتابتها منذ سنوات بعضها يفوق العشرين سنة . ولا يقتصر هذا على الإنظمة المستبدة ولكن أيضا على الصهاينة الذين يسوئهم أن يرون للعرب براعة في شيء ما ، والجميع يعرف الملاحقات والأغتيالات التي طالت والتي مازالت تهدد الكثير من العقول العربية والتي يقف خلفها الموساد . * الفقر والتضييق المادي الذي في الغالب هو نتاج الفساد الإداري والتبعية التنموية للرأس مالية الغربية والتي تعمل على أمتصاص ثروات الشعوب وتكديس تلك الثروات لصالح تلك الدول الرأسمالية ، مما ينتج عنه الفقر والبؤس في الدول المضطهده وكل ذلك بمساعدة جادة وحثيثة من أنظمة هذه الدول المضطهده . في قصة لا تفارق مخيلتي أخبرني بها من أثق بصدق نقله حدثه بها أستاذهُ الجامعي وهذا الأستاذ من المغرمين بالعلم والقراءة وهو يذكر متحسرا قصة رجل من سوريا كانت له العديد من المؤلفات ، كان الرجل فقيرا وليس لديه أولاد ، ومع ذلك كان يؤلف الكثير من الكتب ولم يتمكن من طباعة أي كتاب منها لفقره ، وعندما توفي أضطرت زوجته الفقيرة التي لم تجد مالا لتشتري وقودا يدفئ بيتها من برد الشتاء فأضطرت لحرق أوراق زوجها ، وما تلك الأوراق إلا خلاصة فكره . * ومن أسباب قلة الكتب التي يتم طباعتها هي قلة المال أيضا بالنسبة للقارئ ، فهو لا يقدر على شراء الكتب فهو بالكاد يقدر على توفير أحتياجات أسرته المادية . فدُور النشر لن تطبع كتبا هي تعلم أنها لن تستطيع بيعها وتعويض قيمة طباعتها . ولمن كل همهم هو أثبات نظرية ذلك السفاح الصهيوني ، و أظهار العرب بأنهم أمة لا تملك أي حسنات ولا تملك أي مقدرات عقلية أو مهارية أقول أن المؤسسات الغربية مليئة بتلك العقول العربية والتي تقدم الكثير من الإبداع . ناهيك عن العقول التي يسعى الأعداء لطمرها هنا و العقول التي تم أغتيالها . * يتحجج البعض في محاولة تأكيد تلك المقولة بأن هناك من العرب الذين هاجروا للغرب وأنقضى سنوات على وجودهم هناك ولكنهم ـ رغم تلك السنوات ـ لا يجيدون التحدث بلغة تلك الدول بشكل جيد ، ليس من حيث اللكنة أو اللهجة وأنما من حيث اللغة ، وأنهم لا يحبذون الإلتحاق بمدارس تعليم اللغة التي توفرها تلك الدول للمهاجرين الجدد . والجواب : أن هذا أمر لا يمكن تعميمه ، بالإضافة إلى أن هذه الصفة ليست مقصورة على العرب وحدهم ، فأن المتمعن يرى كثيرا من المهاجرين من غير العرب الذين يستوطنون دولا غير دولهم فتجدهم في الغالب لا يميلون لأجادة لغة تلك الدولة مالم تستدعي لذلك ضرورة ـ كالوظيفة مثلا ـ ونجد أن أغلبهم يتعلمون العامية فقط دون لغة الأدب وذلك لعامل أحتكاكهم بشعب تلك الدولة وليس لأنهم أجهدوا أنفسهم بتعلمها . ونجد منهم من لازال لا يستطيع فهم الكلام العامي لتلك الدولة ومن يتفحص مجتمع الولايات المتحدة تحديدا يستطيع أن يرى الأمر بوضوح تام وذلك لحجم المهاجرين الكبير وتنوعهم الأثني الكبير، إذن فالأمر طبعي جدا ، وليس في القوم من بأس ، وليسوا بدعاً من الناس . * يقولون أن معدل ما يخصصه المواطن العربي للقراءة سنويا كذا مقارنة بأترابه من الغربيين ، هنا أعود للتأكيد على أن ما من أحصاءات حقيقية في هذا الشأن ، بالإضافة إلى عدم دقة هذا التعميم ، هذا من جهة من جهة أخرى أن جميع أقطار الدول العربية ـ إذا استثنينا دول الخليج إلى حد ما ـ فأنها دول تعيش أوضاعا أقتصادية مأساوية بصدق مقارنة بثرواتها ، ونجد الأنسان يعمل في أكثر من وظيفة لتوفير دخل متدني جدا في جو من عدم تكافئ الفرص وعدم المنافسة النزيهه في سباقات الحصول على العمل . كل ذلك الصراع لا يمنح الإنسان الوقت للقراءة ، وأن وجد بعض الوقت فأن عدم الإرتياح النفسي والقلق الذي لايفارق الإنسان على مصيره ومصير من يعوله لا يترك مجالا لممارسة القراءة ، أن همّ الحصول على لقمة العيش لا تجعل الإنسان يشعر بالإغراء للقراءة . عكس الغربي الذي يتمتع بدخل مادي كبير بالإضافة للعدالة الإجتماعية والقانونية ، وعدم وجود إلتزامات أجتماعية مثل التي توجد عندنا ، بالإضافة لمحفزات القراءة حيث أن القراءة جزء من الكسب المادي والثبات في الوظيفة في الغرب وهذه صفة لا توجد عندنا إلا في الشركات الكبيرة والتي هي في الغالب فرع عن شركات رأسمالية تعتبر الإنسان رقما وآلة أنتاج . * هناك من يقارن بين عدد الاختراعات في دول غربية والكيان الصهيوني سنويا تفوق المخترعات العربية ، أأكد على أمر مهم جدا وهو أن عندنا العديد من الشباب المخترعين لكن حتى أجراءات الحصول على براءة أختراع معقدة جدا ، بالإضافة لقلة الدعم المادي للمخترعين وأن أغلبهم هم أناس لا يملكون المال لترويج لأختراعاتهم ، غير التضييق الذي يجده أولئك المخترعين وتلك العقول وفق سياسة عدم أيجاد تنمية بشرية حقيقية وذلك خدمة لمصالح الرأسمالية الغربية لذا نجد أن أنظمتنا المستبدة تدفع مبالغ ضخمة على ترهات وفي المقابل لا تدفع إلا الزهيد من المخصصات المالية لتطوير العلم والأبحاث ، عكس ما يفعله الغرب كل ذلك خدمة للكيان الصهيوني والذي يعتبر من أكثر الدول في العالم الذي يخصص مخصصات مالية عظيمة للبحوث العلمية تفوق حتى الولايات المتحدة . * يقول بعض المستشرقين بأن العرب أمة تعتمد على المشافهة ، وكالعادة هناك بغبغاوات تردد ما يقال بلا وعي وتحلف بأيمان الله بأن الغرب لصادقون ، ووالله أنهم كاذبون . نعم في مرحلة ما كان نقل المعلومات والعلم يجري مشافهة عند العرب وكان ذلك عندما كان الغرب غارقا في وحل الجهل ، ولا يملك حتى تلك المشافهة في نقل العلم والمعلومات . اللغة العربية لغة جميلة ، لذا برز فيها فن المناظرات وعلم الكلام ، وهذا أثرى نقل المعلومات مشافهة في أمة كانت لظروفها المعاشية لا تهتم بالكتابة ، لكن بعد أن تتطور حالها أصبحت تكتب وتدون ، بل وتستدرك ما كان يدور على ألسن الأجداد والسابقين ، لذا فإن من يتحجج بأن كتاب ( تاريخ الأمم والملوك ) لمحمد بن جرير الطبري ذي المجلدات العشرة نسبة كبيرة منه منقولة مشافهه فهي حجة عليه لا له ، لأن الطبري سجل قسما كبيرا من تاريخ كتابه عما كان قبله حيث كان الناس لا يكتبون ، وفي عهد الطبري ـ في العصر العباسي ـ كان العرب بدأوا منذ عهد قريب تدوين تاريخهم وملاحمهم وماتناقله السابقون ، لذا فأن الكتَّاب الذين دونوا بعد الطبري أستعانوا بكتبه ، وكذلك الكتَّاب الذين دونوا في علوم أخرى كعلم الأدب واللغة والتفسير والفقة ، هذا غير الكُتُب التي وضعها أصحابها لشرح ما توصلوا له من علم وأختراعات في مجال الهندسة والطب والكمياء والرياضيات وعلوم البحار . لذا أقول مدّوا بصركم قبل أن تتفلسفوا وقبل أن تؤكدوا مقولة جاهل أول مُغرض . ويأتي أناس ليستشهدوا بمقولة نزار قباني حين قال : ( لاريبَ أن الأغنية لعبت دورا كبيرا فى إطلاقى إلى الآفاق ، والسبب هو أن الشعب العربى يقرأ بأذنيه..) . فوالله ما أصاب قباني في قوله أبدا ، وإلا لماذا يحفظ الناس إلى يومنا هذا شعر أبي تمام وشعر البحتري والمتنبي بل ومن كان قبلهم مثل عنترة و زهير بن أبي سلمى و الأعشى وحتى أشعار شعراء النهضة الحديثة مثل حافظ أبراهيم وأحمد شوقي و إيليا أبي ماضي وغيرهم ؟ لسبب بسيط أن شعر قباني لا يرقى للحفظ كالشعر العربي الأصيل ، بالرغم أن قباني ألقى العديد من قصائده في محافل كثيرة ألا أنها لم تتجاوز لحظتها يموت ردىء الشعر قبل أهله ** وجيده يبقى وإن مات قائله اللغة العربية لغة موسيقية بألفاظها وأوزانها المتقنة ، لذا حفظ الناس أشعار الأولين ، بينما لم ينال الشعر الحديث ذلك الحظ إلا أن غناه مغني وذلك لسبب بسيط هو أن هذا المغني يمنح الموسيقى التي تفتقر لها تلك الكلمات . بالإضافة إلى أن سماع أغنية لا يحتاج لوقت فارغ لها كما يحتاجه الكتاب ، فيمكنك سماع الأغنية وأنت تقوم بعملك أو وأنت مسترخٍ . * أما من يعيبون أن العرب يقرأون بصوت مرتفع ، فهذه ليست سمة عامة ، ففي القطر الذي اعيش فيه أجد أناس في السبعين والثمانين من عمرهم يقرأون في صمت وسكون ، قراءة تأمل وتفكر ، مع أن بلادي هذه لم تعرف المدارس العصرية إلا بعد سنة 1970م ، لذا لا يحق لك أن تعمم ما تراه في قطر ما على جميع العرب ، بالإضافة أنه حتى في ذلك القطر تجد من الناس هذا وهذا من طرق القراءة ، وأن كنت تقصد بقولك هذا هو الإشارة لقراءة القرآن في الكتاتيب فتلك أشارة غير مقبوله لأنه حالة خاصة ولا يصح تعميمها كنمط ، أضف إلى كل ذلك أنه سواء قرأت بصوت مسموع أو في صمت لا يعني هذا أنه دليل على أننا أمة لا تقرأ ، فالقراءة هي القراءة أي كان حالهم ، فالعبرة في أن أقرأ أو لا ، وفيما أستفيده مما اقرأ . * يعيبون تعلم العرب للغات الأخرين ـ ولا أدري ما علاقة هذا بالقراءة أو أين العيب فيه ـ ويرى البعض أن العرب بالغوا في تعلم العبرية مثلا في حين أن اليهود ـ إلا القلة منهم ـ لا يتعلمون العربية بل ويحتقرونها ، أن من تعلم لغة قوم أمن شرهم والعرب قوم يحبون تعلم لغات الأخر منذ القدم ، ولا يضيرهم أن كان الصهيوني العنصري تجعله عجرفته من تقبل الأخر وخاصة العرب ، ولو مُكن هؤلاء البكاؤون الصهاينة لقتلوا كل البشر ، ولما تعلموا حتى الأنجليزية ولا الألمانية ولا غيرها ، لكن لأجل بكائهم ولأنهم يعشقون البكاء بلغات أخرى فهم مضطرين لتعلمها . وأما عن ضعف حركة الترجمة فأن المترجمون العرب ، يسعون جاهدين في هذا المضمار ، إلا أن العوائق المالية والسياسية تعرقل كل الجهود وتمنع الأنتاج . * أن الإنظمة المستبدة ومن يقف خلفها من الأعداء يهمهم جدا أن نشر الجهل والفوضة ، وبما أنهم لا يستطيعون عدم فتح مدارس لتعليم أبناء شعبهم لأن ذلك سيفضح بجلاء مخططاتهم ، لذا ينشرون الأمية المقنعة ، وهي عبارة أيجاد أجيالا لا تحمل لأمية الأبجدية ، ولكن تحمل أمية فكر ، لذا تعمل هذه الإنظمة على أيجاد مناهج دراسية غير مجدية ، وأساليب تدريس تنفر الطلاب من العلم والقراءة ، وهم يستغلون في ذلك أسلوب الرهاب النفسي ولكن بقدر ما يحققون به غاياتهم فقط . وفعلا هم ينجحون . هذا بالإضافة أنه بسبب الفقر يضطر عدد كبير جدا من الأطفال لترك المدرسة وذلك للعمل في سن مبكر جدا . أن حضارات الأمم والشعوب قامت حين وجد الأستقرار والشعور بالأمن ( الأمن المادي ، والأمن النفسي والأمن في الوطن ) لأن النفوس حينها تتوقد بالإبداع ولا يبدأ الأبداع إلا كانت القراءة والنتاج الكتابي حاضرا بقوة . أن لأزدهار أي مجال في حضارة أمة ما عدد عوامل لأبد أن تتظافر أن وجود الخوف وعدم الإستقرار والأمن في نفس الإنسان تنفي عنه أهتمامه بالعلم . كانت الأمة العربية أمة كر وفر ، وحروب وغزوات لا تنتهي ، ورغم وجود الشعر ـ كنتاج ثقافي ـ إلا أنه أقتصر على التناقل الشفاهي ، لكننا نرى أنه بعد أن أستقرت دعائم الدولة الإسلامية ، وأستتب الأمن و أزدهر الأقتصاد ، أستقرت النفوس وأطمئنت ، والأهم من هذا وجود الزعماء والقادة المخلصين لأمتهم وشعوبهم الطواقين للمجد لأنفسهم ولأمتهم ، فتوقد الإبداع في شتى المجالات وأزهرت الأمة ، وفي مجال النتاج الكتابي والقراءة ، نجد الكثير من المكتبات ، حتى خطوط الكتابة أزدهرت وما يكتب عليه حيث تحول الناس من الكتابة على الرق والحجر إلى الكتابة على الورق ، ووجدنا مهن جديدة تظهر كمهنة الوراقين ، وأصبح القارئ يجد أكثر من نسخة للكتاب الواحد ، بعد ما كان المرء لا يجد إلا نسخة واحدة للكتاب فإن ضاعت أو تلفت ضاع العلم الذين تحويه . كان في العرب القدماء تجد النجار والحداد والقفاف وصانع الفخار قارئ موسوعي ، يوزع وقته بين كسب قوته وكذلك اللجوء لحوانيت الوراقين لقراءة الكتب أذا كان لا يقدر على شرائها . لأزدهار القراءة في أمة ما يتوجب : * توفر المال للكاتب والقارئ ، ليتمكن هذا من طباعة ما يكتب وليتمكن ذاك شراء تلك الكُتب . * الاستقرار النفسي للكاتب والقارئ . للكاتب حتى يبدع ويتقن ما يكتبه وليتوقد ذهنه فيستطيع العطاء ، أما القاريء فإن النفس أن أثقلتها الهموم فلا تتسع لغيرها من أمور ، وأن فقدت الحافز لعمل ما فأنها لا تنتهجه . * وجود الساسة المخلصين للأمة والوطن ، وكذلك الساسة الواعين ثقافيا و علميا . الذين يكرسون كل جهودهم لنشر العلم والوعي بإمانة وأخلاص ، وأن يستخدموا كل السُبل الممكنة لأجل ذلك ، كالإعلام الذي لا يخفى على ذي لب ما يلعبه من دورا كبير لتخدير العقول أو أنارتها . * الأمن والأستقرار في الوطن ، وعدم وجود الخوف ، لأن حضور الخوف في النفوس يقتل الأبداع . عدم الخوف من الجوع أو من العدو أو من النظام . * الدور المهم للأسرة ، فالوالدان المثقفان الواعيان ينتجان جيلا واعيا . أن وجود الأنترنت ليس سببا لتراجع قيمة الكتاب لكن الأمر يكون لأسباب منها الحرية في النت مقارنة بالواقع ، كذلك للأسباب التي أوردناها سابقا . ذلك أن الإنسان يشعر بالإلفة والطمئنية مع الكتاب أكثر من الكمبيوتر لأن الأخير مرهق للعين والجسد عكس الكتاب. لذا لا يمكن أبدا أن تتراجع مكانة الكتاب وأن حُجب عنَّا . بطبيعة الحال أعشق أمتي وأتمنى لها كل خير وأن تكون أفضل وأعظم الأمم دوما ، ولا أذكر تلك المقارنات والحجج لكي أوجد الأعذار على هذا الوضع ، لكني أجد من يبالغ في أكالة التهم على أمتي وكأنه لا يوجد أي شيء جميل بهذه الأمة ، وأن كل شيء فيها سيء سلفا حتى بدون النظر فيه . وأخيرا ... مقالي هذا ليس لأنكر أن لدينا مشكلة ولكن لسببين الأول عدم ترديد كلام الغير بدون بصيرة ، والثاني لأاكد أن العرب ليسوا من فصيلة عقلياتها ركيكة وأنما هي ظروف تؤثر . أنا لا أنكر وجود مشكلة في الموضوع ، لكن ما أنكره هو السطحية في تناول الموضوع التي ترضخ لفكر الأخر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق