هل كل مدع على حق أم أن الحق عنده نسبياً وهل المدعى عليه على باطل أم أن الباطل في نظر المدعي حق في نظره سؤال كثيراً ما يتردد على لساني حين يدلف إلى مكتبي صاحب قضية يبثني شكواه ويطلب مني إقامة دعواه ،
ومن حق المدعي أن يتكلم ويفصح ومن واجبي أن اسمع وأتدبر وعندما أسمع شكوى المدعي أضع أمام عيني حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقضي للأول حتى تسمع كلام الآخر سوف تدري كيف تقضي) ومن الأمثال الشعبية الدارجة المثل القائل :( ضربني وبكى وسبقني واشتكى ) ويروي التاريخ أن امرأة جاءت إلى قاضي تشكو خصمها وتبكي وتولول وكان يزور القاضي في مجلسه صديق له عالم ورع وتقي فسمع شكوى المرأة وعبراتها فقال للقاضي :أنها مظلومة فقال له القاضي :وكيف عرفت أنها مظلومة قال: عبراتها وبكاءها،فقال له القاضي : إن أخوة يوسف (( وجاءوا أباهم عشاءً يبكون ))
.والمحامي الفهيم المستقيم الأمين واجبه مساعدة القضاء في تحقيق العدالة ومن هذه القاعدة الأصولية أن يتحرى بواطن الأمور ومواطن الخلل وأن يعمل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) فإذا كان ظالماً منعه من الظلم وإن كان مظلوماً ساعده على رفع الظلم عنه وليس كل المتداعيين على حق وليس هما دوماً على باطل فالحق لدى كل منهما يتصور منه أنه على حق وأكثر القضايا ينشأ النـزاع فيها بسبب اختلاف هذه المفاهيم ،
فكل طرف يرى من واقع مفهومه للخلاف إن الحق معه فيتمسك به ويصر عليه حتى إذا تحاكما أمام شخص ارتضياه ليفصل بينهما في هذا النزاع وأظهر الحكم فساد هذا المفهوم الخاطئ بالإثبات المقنع الجلي وكانت تقوى الله ومخافته رائدهما سرعان ما تعود النفوس إلى فطرتها ويتقبل المخطئ الرجوع إلى الحق والصواب لأن أساس النـزاع كان على خلاف في مفهوم الحق وليس على المماطلة وأكل أموال الناس بالباطل أما حين يتمادى المفهوم في الباطل ويصر صاحبه عليه فهذا الذي ينطبق عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :( مطل الغني ظلم ) وأكبر دليل على ذلك قصة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويروي التاريخ أن سيدنا عمر رضي الله عنه أخذ فرساً من أعرابي لتجربته قبل شرائه فحمل عليه سيدنا عمر وعطب الفرس وقال لصاحبه خذ فرسك فرفض هذا وطالبه بالثمن فقال سيدنا عمر :( اجعل بيني وبينك حكماً )فقال الرجل صاحب الفرس:بيني وبينك شريح بن الحارث الكندي،فتحاكما إليه فقضى شريح بتضمين سيدنا عمر ثمن الفرس قائلاً :( يا أمير المؤمنين خذ بما ابتعت أو رد كما أخذته سليماً صحيحاً ) فأعجب سيدنا عمر بحكمه وقال :( وهل القضاء إلا هذا ؟ ويروي التاريخ أن هذه القضية كانت سبباً في استقضاء شريحاً وكان قاضي الكوفة زمن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وزمن الخلافة الأموية وذلك مدة (75) سنة لم يتعطل منها إلا ثلاث سنين زمن فتنة ابن الزبير رضي الله عنهما .وأذكر بهذه المناسبة عندما كنت مديراً للمدرسة النموذجية أن جاءني ولي أمر تلميذ بالصف الثاني غاضباً منفعلاً يشكو مدرساً قد ضرب ابنه ضرباً مبرحاً في وجهه وترك أثراً باقياً أسفل عينه اليمنى وطلب مني أن يقابل المدرس ليقتص منه فهدأت من روعه وأمتصيت غضبه واستراح قليلاً وطلبت منه أن يترك لي الموضوع ووعدته أن أجري التحقيق اللازم وأن يعاقب المدرس بأقصى العقوبة لما صدر منه بدون وجه حق وخرج الرجل من مكتبي موكلاً أمر ابنه إلي ، والغريب في الأمر أن المدرس المشكو وديع لا يحمل العصا ولا يغضب ومحبوباً من تلاميذه لسعة صدره وطيبة قلبه وحلاوة لسانه ، وحققت في القضية وتبين ما تبين من النتائج وكانت المفاجأة أن تلميذاً بالصف الخامس ضرب التلميذ بالصف الثاني وأدرك التلميذ الضارب عقوبة فعله فأسترضى التلميذ المضروب بحلوى وأبلغه أن يخبر والده بأن المدرس قد ضربه ونتج من هذا الضرب هذا الأثر وكان التلميذ الضارب يعتقد أن التلميذ المضروب حين يخبر والده بأن هذا الأثر من ضرب المدرس يتقبل هذه الحادثة باعتبارها صادرة من مدرس يربي ابنه فلا يشكوه إلى إدارة المدرسة وبهذا ينجو هو من عقوبة الإدارة لو أبلغ والد التلميذ عنه بأنه الضارب .وعمل المحاماة ( التوكيل ) قد جرى الرسم عليه على أبواب القضاة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير منكر ولا زجر زاجر(ومن أقدم ما عثر عليه من حوادث الوكالة بالخصومة يذكر البعض– كما يقول الأستاذ ظافر القاسمي – أنه :(كانت بين حسان بن ثابت رضي الله عنه شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم وبين بعض الناس منازعة عند سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه فقضى عثمان على حسان فجاء حسان إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فشكا ذلك إليه فقال له ابن عباس : الحق حقك ولكن أخطأت حجتك انطلق معي فخرج به حتى دخلا على سيدنا عثمان فأحتج له ابن عباس حتى تبين عثمان الحق فقضى به لحسان بن ثابت ) ويقول القاسمي : أنه إذا كان في هذه الحادثة دليل على جواز إعادة المحاكمة في القضية المحكوم بها حين وضوح الخطأ في الحكم في التنظيم القضائي الإسلامي فإن فيها دليلا آخر على أن مرافعة العاجز أو الجاهل عن نفسه أمام القضاء في حـاجة إلى وكيل . وصدق رسول الله صلى الله عليه وسـلم القائل ( إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فاقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قطعت له من حق أخيه شيئاً فإنما اقطع له قطعة من النار ) .ومن هنا كان لزاماً على المحامي أن يتفحص قضية موكله وأن لا ينظر إليها كقضية ذات عائد مادي بقدر ما ينبغي له أن يتحرى فيها الحق بغض النظر عن طرفي النزاع وان يعمل جاهداً في تحقيق العدالة ومن أهم واجبات المحامي حين تعرض عليه قضية ويطلب منه المرافعة والمدافعة عنها أن يسعى للصلح بين أطراف النزاع وأن يعمل بقول الحق سبحانه وتعالى :(( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس )) وقوله تعالى :(( وأصلحوا بين أخويكم )) ولا خير في محام لا يبدأ بالصلح بين الخصوم أطـــراف النـزاع ( والصلح خير ) وخاصة حين يكون أطراف القضية من ذوي الأرحام وفي هذا يقول الخليفة الراشد سيدنا عمر رضي الله عنه :( ردوا القضاء بين ذوي الأرحام حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث الضغائن ) .
منقول
محمد إسماعيل الصيفى
0108230096
www.egyptlabtours.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق