الأحد، 13 مارس 2011

من اليابان: أكثر من 30 صورة تحكي الكارثة!



يتابع العالم الآن بقلق كبير آثار الزلزال المدمر الذي ضرب اليابان صباح أمس، وعلى الرغم من أن الحدث لم يمر عليه سوى 24 ساعة إلا أن الأحداث تتسارع بشكل يفوق قدرتنا على الاستيعاب!
بدأ الأمر بزلزال هائل بقوة 8.9 درجة على مقياس ريختر ضرب مناطق شمال شرق اليابان، ثم تبعه موجات تسونامي ارتفاعها ما بين ثلاثة إلى عشرة أمتار زحفت جارفةً كل ما قابلها ليجتمع دمار الزلزال مع دمار تسونامي، ثم سمعنا اليوم عن انفجار المبنى الخارجي لمفاعل فوكوشيما النووية وإخلاء ربع مليون شخص حوله بعد حدوث تسرب إشعاعي، ليجتمع دمار الزلزال بدمار تسونامي بشبح كارثة نووية!!
لا توجد أرقام محددة بالطبع لأعداد القتلى والجرحى لكن التقديرات (حتى لحظة كتابة هذه السطور) تتحدث عن 900 قتيل و700 مفقود وآلاف الجرحى، فضلاً عن أخبار تتحدث عن بلدات تم محوها بساكنيها من على وجه الأرض!!
ولأن الصورة بألف كلمة دعونا نشاهد هذه المجموعة الكبيرة من الصور التي ستحكي لنا أبعاد الكارثة:

مشهد مفزع لموجات المد الهائلة وهي تجتاح سواحل شمال اليابان!
أمواج تعلوها أمواج تعلوها أمواج!!
دوامات في عرض البحر نتيجة المد المفاجئ!
لاحظوا كيف تجتمع النار بالماء في هذه المشاهد التي تدعو للتأمل!
بيوت, مصانع, سيارات, قوارب!
تخيلوا القوة التي تستطيع رفع سفينة كتلك فوق اليابسة!!
ما تبقى من أحد المطارات اليابانية!
دمار لا يوصف!
صحيح أن الموضوع لا يحتمل السخرية لكن لفت انتباهي في هذه الصورة أن الطريق بعد أن تدمر “بزلزال” لا يزال أفضل حالاً من كثير من طرقنا!!
Mohamed Ismail Elsefy
0108230096

الأربعاء، 2 مارس 2011

إنها لغة الأذكياء








"جهلتَ ولم تعلم بأنكَ جاهلٌ ** فمن لي بأن تدري بأنكَ لا تدري"
الخليل بن أحمد الفراهيدي شاعر ولغوي عربي







اللغة خلقها الله وسيلة تواصل وأتصال بين الكائنات حتى الحيوانات والحشرات لها لغتها ، ولقد كُرِمَّ الإنسان بالنطق لتكون لغُتهُ مميزة عن كُلِّ الكائنات الأُخرى ، ليُعْبِّر به عن ألامه وأحزانه وهمومه وأشجانه وأفراحه وطموحاته وكل ما يجول بخاطره ، و لكل أمة لغتها التي تُعبر بها عن ذاتها ، فاللغة هي هويةُ الشعوب وهي وصف شخصيته لأنها ببساطة تُجسد ثقافتها وتُسجل حضارتها و تنقل بها قيمها وعاداتها أجيالا متعاقبه .
من خلال فهم لُغة شعب ما يمكنك سبر غور تاريخه وحضارته ومعرفة أسلوب حياته وقيمه .



في كُلِّ الأمم والشعوب تنقسم اللغة إلى قسمين : لغة محكية متداولة يمارسها العامة ، ولُغة أدب تمارسها الصفوة يُسجل بها العلوم والأداب ويُحفظ بها تاريخ تلك الأمم والشعوب .
وكلا القسمين يسجل ويرصد ما مرت به تلك الشعوب سواء من حضارات وأزدهار أو مِحنٌّ وأستعمار .



واللغة العربية أحدى تلك اللغات العريقة التي مازالت تقف بثبات منذ سنوات كبيرة ، ومن أكثر اللغات الحية التي ما زال أهلها يستطيعون فهم وقراءة ما كُتب في أمهات الكتب التي سطرها الجدود قبل أكثر من ألف سنة ، بينما تفقد لغات حية عريقة أخرى هذه الميزة ومنها اللغة العبرية واللغة الأرمية وغيرها من اللغات العريقة والتي ماتزال متدولة ، رغم أن تداولها ليس بقوة حضور اللغة العربية . ونسنثني من ذلك اللغة الصينية القديمة حيث يمكن للصفوة فك رموزها لكن لا يمكن للعامة فعل ذلك ، وهذا عكس العربية .


اللغة مثل الأرض تتأثر بالطقس ، فمرةً تزدهر ومرة تذوي ، وكل ذلك يترك بقايا فيها ، ولقد سنَّ الله التغيير كسمة من سمات الوجود ، فكان من الطَبْعِيّ أن تتأثر اللغات ببعضها ، فتأخذ وتُعطي ، تبعا لمبدأ الغلبة والضعف ، وحتى في أوقات الإستقرار لا ينفك ذلك الأخذ والعطاء وفقاً لفسلفة التواصل الحضاري والحوار بين الثقافات التي جَبَلَ الله الناس عليه ، لأجل ذلك تطورت اللغات وبعض منها أندثر ، وأُخرى فرضت هيمنتها على اللغات الأخرى فأضافت في تلك اللغة شيئاً من ألفاظها ، وتكون نسبة تلك الأضافة تبعا لقوة اللغة المُضيفة ، وضعف اللغة المضاف إليها .
أذاً فالإتصال الحضاري والتواصل الحضاري هو سمة رقي وإزدهار خاصة أن كان بالقدر الذي لا يفقد اللغة الأم هويتها الأصيلة ولا يكون سبيلا للأندثارها.


كذلك حال اللغة العربية ، لُغة الجمال والرُقي ، لغة الأدب البديع والسحر الحلال ، اللغة العربية هي هوية الأمة العربية وبها جاء أعظم الكُتب السماوية المُقدسة وهو القرآن الكريم . عاش العرب بقطبيهم : القحطاني والعدناني في جزيرة العرب ، وشكلت اللغة أساس هويتهم ، فكادت أن تكون من مقدساتهم ، لقد قدسوها كما لم تُقدس أمة لغتها ، ويكاد لا يُشبههم في هذا إلا الصينيين التي رغم صعوبة رسم حروفها وكثرة عددهن مازال شعبها متمسكٌ بها .


وكما جرت سُنَّةُ الله في الأرض فقد مرت هذه الأرض بمراحل تراوحت بين الإنتصار والإزدهار وبين الدمار والإستعمار لكن اللغة العربية بقية قوية ثابته ، لم تندثر ـ رغم المحن العظيمة التي مرت بها ـ كما أنثرت لغات أقوامٍ أخرين مثل اللغات السلتية التي كان يتكلم بها السكان الأصليون لأنجلترا قبل الغزو السكسوني .


أخذت اللغة العربية من غيرها من اللغات سواء بحكم فرض الثقافات في زمن الإستعمار أو التخالط مع الأخر في زمن الفتوحات والإنتصارات ، لكن ما منحته من ألفاظ لغيرها كأن أكثر بكثير مما أخذته وأستوردته . هذا عدا عن أنتشارها إلى بقاع أصبحت فيها العربية هي اللسان فيها .


وهناك الكثير الكثير من الدراسات اللغوية التي أثبتت هذا الأمر ، وللعلم أن أغلب تلك الدراسات وضعوها أناس من لغات أخرى ، بمعنى أخر هم أناس ليس لهم مصلحة في مدح لغتنا والثناء عليها ، وليس لهم مصلحة للرد على أولئك المنتقدين للغة العربية بغير برهان .


عبر تاريخها أخذت اللغة العربية ألفاظات من لغات كثيرة بحكم الإتصال الحضاري من تلك اللغات : الفارسية ، و اليونانية ، و السريانية ، و العبرانية ، و التركية ، و الإيطالية ، و الفرنسية ، و الاتينية ، ولغات أخرى .


لكنها منحت الكثير للغات أخرى منها ـ مثالا لا حصراً ـ : اللغة الأوردية ( الأوردو) وقد أحصت بعض المعاجم الأوردية الألفاظ العربية التي أقتبستها الأردو منها 7584 كلمة وهي تستخدم الحرف العربي للكتابة ، 3303 كلمة في الملايوية ـ وهو أحصاء مبدئي تضمنه مشروع معجم ملايوي عصري شامل لأحد الأخوة الفضلاء للغة الملايوية ـ وهي لغة تستخدمها شعوب دول جنوب شرق آسيا من ماليزيا وإندونيسيا وبروناي دار السلام وسنغافورة وفطاني بجنوب تايلند ، و160 كلمة في الإنجليزية ، وكذلك لا ننسى اللغة التركية والتي كانت في أوج سيطرة الأتراك على الأمة العربية يستخدمون الحرف العربي لكتابةِ لُغتهم ، ولم ينتقلوا للحرف اللأتيني إلا في عهد كمال أتاتورك العلماني ، كذلك اللغة الأمازيغية التي تضمنة مفردات عربية ، وكذلك لُغة الهندو التي يتحدثها نسبة كبيرة من سُكان الهند ، وأيضا اللغة الفارسية المستخدمة في أيران اليوم وهذه اللغة مازالت تستخدم الحرف العربي في كتابة لغتها ، و اللغة السواحلية التي يتحدثها سكان ساحل كينيا وزنجبار وهذه لغة حفظها العرب العُمانيون حين قاموا بجعلها لغة مكتوبة ـ ولم تكن إلا لغة شفاهية ـ وأستخدموا الحرف العربي لكتابتها وجعلوها اللغة الرسمية للدولة العربية في زنجبار رغم أنهم ـ أي العرب ـ كانوا أصحاب السلطة والقوة حينها ، كذلك اللغة الإيطالية وخاصة في جزيرة صقلية ، وكذلك اللغة القبرصية اليونانية ، واللغة الأسبانية ( الأندلس سابقا ) ، هذا وناهيك عن اللغة المالطية التي يتحدثها سكان مالطا والتي تستطيع أنت يامن لا يُجيد التحدث بالمالطية أن تستمع للمالطي وهو يتحدث لغته وأنا على ثقة تامة أنك ستفهم ما يعنية دون كبير مشقة ، لأن لغتهم تحتوي نسبة عظيمة من الألفاظ العربية .


هذا بعض مما عند تلك اللغة القوية العظيمة الساحرة ، وهذا كله على سبيل المثال لا الحصر ، هذا جوابي لمن يعيب على اللغة العربية أقتباسها من اللغات الأجنبية اليوم ، وهو لا ينتقد حبًّ للعربية ، وأنما تسفيها وتحقيرا ، وما ذلك إلا لجهله أو لخيانة أرادها .


فتدمير ثقافة أي قوم ، والغزو الثقافي له يمنح العدو السلطة على رقاب ذلك الشعب ، وبصراحة هذه الأمة أرهقت الصهاينة وأذنابهم فما أستطاعوا نزع هويتها منها ليتمكنوا من دثرها لأن هويتها ترتكز في نقطتين : دينها ولغتها . فلله دُرُّ أمة مثل هذه الأمة أحبة لغتها ودينها ، حتى أنها صمدت كل هذا الصمود الجبار أمام كل هذه الأعاصير العاتية التي مزقت أمم وأنتشلتها من ثقافاتها وقيمها لأجل كيان لقيط لا يوجد ألا في مخيلة التعساء ، كل ذلك لمحو هذه الأمة من الوجود لأنها تقف حجر عثر أمام ذلك الكيان .


ورغم أن الحال الذي نحن فيه اليوم كأمة ـ لا يرضينا نحن أبنائها الطامحون لأحياء مجدها ـ إلا أننا ـ ونحن بهذا الحال الضعيف ـ نشكل خطرا على ذلك الكيان .


فأقولها بكل صدق لأمتي ( لن تموتي فكاهلُ الأرض لا يقوى على حمل نعشكِ الجبار)أن أقتباس اللغة العربية ألفاظاً من لغة أخرى ليس دليل ضعف بل هو دليل مرونة وتطور وتلك سمة أتسمت بها كل اللغات عبر التاريخ الإنساني ، وهو ميزة جيدة ما لم يسبب أندثارا لتلك اللغة الأم .


هم يقولون أن اللغة العربية ليست لغة علم ، عجبا لكلامهم ، والأغرب قول المتقول متحديا لمن يعشق العربية : أجلب لي مرادف تلفزيون بالعربية . وأنا أقول له متحديا لبلاهته : أجلب لي مرادف سُكْر بالإنجليزية .


أن المنطق ـ لو كانوا للمنطق يعقلون ـ يقول أن لا لغة من لغة الأرض لا تستطيع أحتواء العلم ، والدليل على ذلك هو الشاهد التاريخي في الحضارات الإنسانية من حضارة الإنكا إلى الحضارة المغولية مرورا بحضارات الشرق التي تعددت فيه اللغات . مامن لغة لا تستطيع أحتواء العلم ، فلم ينزل جبريل بالإنجليزية فقط لتكون لغة علم ، ولا بالفرنسية لتكون لغة علم . أنما البشر هم من طوعوا اللغات لخدمة العلم فكانت خير خادم في كُلِّ الحضارات والإمم والشعوب ، فدعكم من هذا الهراء ، ولا يضير العربية أن يكون لفظة كمبيوتر أو تلفزيون ألفاظا مُعربة كما لم يضر الإنجليزية ـ من قبل ـ أن تكون كلمة سُكر وبرتقال مُغربة .


أني أقول لهؤلاء دعوكم من كل هذا الهراء ومن خُزعبلاتكم تلك ، وبدلا من أن تبحثوا عن شيء تُعلقون عليه فشلكم ، تحركوا وأنجزوا ، وأبدعوا ، فالإنسان هو من يصنع كل شيء في الحضارة سواء كان تُراث أو لغة أو ثقافة . هو من يُعلي قدر أمته أو يحط بها . ودعوكم من كل هذا التذمر . ولا تحاولوا إغواء الناس فكلامكم السخيف .


أنا لا أدافع عن هذه اللغة فهي أعظم من أن يُدافع عنها مُدافع ، فهي ليست في موضع ضعف ، أنما مقالتي هذه لأُنبه أولئك الذين يجهلون أنهم بما يقولون أنما يظهرون للناس جهلهم ويجعلون من أنفسهم موضع سخرية فهم لا ينظرون أبعد من أنوفهم ، وذلك الذي يسعى لأن يجعل من لغة الدارجة أو العامية لغة رسمية تُنشر بها المجلات والصُحف ، ويسعى بأن يهبط بالعقول بدل السعي للرقي بها بلغة راقية عذبه كاللغة العربية أنما بذلك يظهر ضعفه وأنحدار قدره ، فاللغة العربية لغة للأذكياء الفطناء لكنها ليست بالصعبة على الناس العاديين لذا فإن مثل هذا الإنسان أنما يشهد على نفسه أنه أحقر منزلة من الإنسان البسيط العامي ، لكن كيف بلغ منازل السلطة ليرسم طريق أمته ؟؟! سؤال يحتاج للكثير حتى يتم الإجابة عليه .
يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( تفقهوا قبل أن تُسوَّدوا ) والتفقه ليس في الدين وحده بل في كل فروع العلم ما أمكن منه ، لأن العلم ينير القلوب ويفتح البصيرة فيقود صاحبه إلى طريق الحق والحقيقة ، ويمضي في كل أموره عن بصيرة وعن بينة من أمره . فلا يستوى الأعمى والبصير .


فالمُسفهين للغة العربية ثلاثة : جاهل لا يقدر على هذه اللغة العظيمة ففندها ولجئ إلى اللغة العامية التي تناسب مستواه السوقي البسيط فأراد أن يفرضها كلغة لأهل الصفوة ، وخائن أراد أن يعين الأعداء علينا بتفريق شملنا لأن اللغة هي أحد ركائز جمع شملنا كعرب ـ كما هو الحال في كُل الأمم ـ والأدهى أن من هؤلاء من هم في مواقع السلطة فقرروا أن يبثوا الجرائد باللغة العامية وفرضها على الجميع كلغة أدب ، وهم أنفسهم في مؤتمراتهم الرسمية يتحدثون باللغات الأجنبية بلسان مفوه رغم أن دساتيرهم تقول أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة وأذا تحدث العربية إلتوى لسانه ولم يُفصح فهو لا يلوي جهدا للقضاء على اللغة . قال أبو العُميثل لأبي تمام منتقداً شِعْرَهُ : يا أبا تَمَّام لِمَّ تَقولُ مَا لا يُفهم ؟ فأجابهُ أبُو تَمَّام : لِمَّ لا تَفهم مَا يُقال ؟ . وأخر يهرف بما لايعرف ، وصَدَّقَ ـ لجهله ـ ما قيل له بأن سبب تخلف أمتنا هي لغتها وديننا وهذا مجرد واحد من اولئك البغبغاوات المصفقة .


وليعلم الجاهلون أن سعي العدو لتدمير لغتنا العربية أنما ليضرب به عصفوران بحجر واحد ، فإن أندثرت العربية ـ وأقولها بكل ثقة أن ذلك لن يحدث أبدا ـ فسيصعُب قراءة القرآن على أتباع الإسلام مثلما حدث في ديانات أخرى مثل اليهودة والنصرانية . ليخرج لنا الصهاينة بعد ذلك أحبارا يكتبون لنا القرآن بأمانيهم ، فيغيرون الكلم عن موضعه حُباً لأسيادهم . وذلك لن يحدث لأن الله تعالى قال :
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } سورة الحجر9

وأخيرا ..


يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : ( أما بعد فتفقهوا في السُنة وتفقهوا في العربية ، وأعربُوا القرآن فإنه عربي )


أنها لغة خير الأنبياء ولغة خير الكتب المقدسة ، ولغة الشعب الذي ناظل من أجل أن يرفع راية الله عاليا عبر تاريخه ، وتحمَّل ومازال يتحمل الكثير من الويلات في سبيل ذلك ، وستبقى العربية صامدة شامخة مادام أن الله تكفل بحفظ كتابه الذي نزل بلسان عربي مبين .


منقول
محمد إسماعيل الصيفى
01008230096

كُونْ مُعَارِضاً شريفاً أو لا تكون


محمد إسماعيل الصيفى
0108230096




مَتى يَبلُغ البُنيانُ يَوماً تَمامَه ** اِذا كُنت تَبنيهِ وَغَيرك يَهدِم
شعر عربي









المعارضة أمر مهم لأي دولة تهدف للبناء وتسعى للرقي والإزدهار ، لأن وجود المعارضة في أي دولة تنبه لوجود رقباء على مصالح البلد بالتالي تكون كالرادع للنفس الأمارة بالسوء ، و وجودها يُأكد على وجود شعب حُرّ حيّ يسمو للحياة الكريمة على أرض وطنه ، لا تخلو دولة من معارضة مادام بها أشراف يحبون وطنهم ، وأيضا مادام بها أناس يلبسون عباءة المعارضة( لحاجة في نفس يعقوب ) .

وبما أن المعارضة هي عين الرقيب على الحكومة ، فإننا نجد عبر التاريخ أن الحكومات الفاسدة تسعى لذبح و وأد المعارضة والمعارضين ، لأنها لا تحب أن تسمع صوت يذكر مثالبها ، هؤلاء لا يُطِيقون إلا نَهِيق المُمجدين لهم أن أستحقوا أو لم يستحقوا ذلك التمجيد .

بسبب الوضع في منطقتنا وكثرة المتربصين ، فإن هذه الحكومات الفاسدة دوما تُفَنْد المعارضة على أنها مجرد عميلة لجهات أجنبية وأنهم مجرد مخربين ، في حين نجد أن هذه الحكومات لم تكلف نفسها يوما لتختبر هذه المعارضات هل هي صادقة أو لا ، ومع أعترافي بأن ليس كل معارضه شريفة ، ولكن أيضا ليس كل معارضة عميلة , ثم أي عدو تتحدث عنه هذه الحكومات ؟ لست أدري بصدق ، فكل أعداء الأمة هم عبارة عن أصدقاء وأحباب وأسياد لهذه الحكومات .

ورغم كل الظروف أمتنا بحاجة للمعرضة الشريفة ، ولابد للحق أن ينتصر ويكسر حندس العجاج ، فالنور لا يتبدد بينما العجاج لابد أن يأتيه حين ويتبدد .
فالمعارضة الشريفة هي النور الذي تحتاجه أوطاننا ، فقد سئمنا من تقديس الحُكام والملوك وتأليههم ، هم مجرد بشر لهم أخطأ يحتاجون لمن ينبههم أن أخطأوا ، ويوقفهم أن تمادوا ، وبهذا تسير عجلة البناء للأمام قُدُماً .

أدعو كُلُّ وطنيٍّ غيور ـ يرى أن له الحق أن يقول للخطأ خطأ كما يقول للصواب صواب ـ أن يقرأ سيرة الصحابي أبو ذَرٍّ الغِفَاريّ ، ليس شرطاً أن تكون مسلماً لتقتدي به ، لأنَّ الشُرَفاء تكون أخلاقهم النبيلة قُدوة لكل إنسانٍ نبيل بغض النظر عن دينهِ أو مذهبهِ .
سأل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوماً أبا ذَرٍّ الغِفَارِيّ ـ رضي الله عنه ـ :( يا أبَا ذَرّ ، كيفَ أنتَ إذا أَدْركَكَ أُمراءٌ يَستَأْثِرون بِالْفَيء ؟
فأجاب قائلاً : إذاً ـ والذي بعثَكَ بالحقِّ ـ لأضرِبنَّ بسيفي .
فقال له الرسولُ صلى الله عليه وسلم : أَفلا أَدُلُّكَ عَلى خَيْرٍ مِنْ ذلكَ ؟ اصبرْ حتَّى تَلْقَانِي . )

أجل أصبر ، ولم يكن قصد النبي عليه السلام ـ وهو الرجل الحكيم المحنك ـ أسكات أبا ذَرّ وإنما وجهه للصواب ، فلقد كان هذا النبي مُعَلماً مُلهما لتلاميذه ومُريديه ، ولم يكن مُلقنا ، كان يعرف أطباع أصحابه ويسبر أغوارهم ويعلم مواهبهم وقدراتهم ـ وكذلك كل مُعلما مُلهم يجب أن يكون كذلك ـ فهو عَلِمَ من أول يوم أسلم فيه أبا ذَر ـ حين أتاه متخفيا يسأل عن الدين الجديد ـ علم صلى الله عليه وسلم قوة شكيمة هذا الرجل ، وعرف شجاعته وصدقه وقوة لسانه . فأراد أن يكون لسانه هو سيف الحق بدلا من أن يكون سيفه هو سبيل الفتن .

وأبو ذَرٍّ فهم وصية معلمه ونبيه أيما فهم فطبقها خير تطبيق وكان لسانه دوما سيفا مشهرا في وجوه أؤلئك الأُمَراء الذين أَغْرَقوا في الطيبات ، بينما رعيتهم غارقةٌ في الفقر ، فأطلق في وجوههم اللسان والكلمة المستبسلة وكلمة الحق . فالحق أبدا لا يكون فضيلة خرساء ، وما نفعها وهي جبانة صامتةٌ خرساء .

كان من أولئك الأمراء أصحابه وأخوته في الله أمثال أبو هريرة وأبو موسى الأشعري ـ رضي الله عنهم جميعا ـ إلا أنه لم يصمت ويُجامل .

حين كاد يهُزُّ الشام بلسانه لا بسيفه على رأس معاوية بن أبي سفيان الذي كان حينها واليا من قِبل عثمان بن عفان ـ رضي الله عنهم جميعا ـ على الشام ، أرسل معاوية لعثمان يقول له : " أن أبا ذر قد أفسد الناس بالشام "
فستدعاه عثمان للمدينة المنورة ـ وهي عاصمة الدولة الإسلامية حينئذ ـ فعرض عليه عثمان عرضا رقيقا رفيقا فقال له : " ابقَ هنا بجانبي تغدو عليك اللِّقاحُ وتروح "فقال له أبو ذر : " لا حاجة لي في دنياكم ".
أنه المعارض الشريف والمواطن الغيور ، لم يكن يعارض ليسكن القصور أو لينال السلطة أو الثروة و يجمع الدثور ، لذا طَبَعٌّي جداً أن تسمع منه هكذا جواب :" لا حاجة لي في دنياكم " .

وفي حين كان لا يَطلب سلطة ولا ثروة من معارضته الشريفه ، فهو أيضا حريص على أن لا يكون جسرا لفتنةٍ وهو الذي تعلم الحكمة من كتاب الله { الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ } البقرة217 ، { وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ } البقرة191 ، وهو الذي يحفظ وصية نبيه ومُعلمه " اصبرْ حتَّى تَلْقَانِي " .

فحين أعتزل إلى " الرِّبذَة " جاءه وفد من الكوفه يسألونه أن يرفع راية الثورة ضد الخليفة ، فزجرهم قائلاً : ( والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة أو جبل لسمعت و أطعت ، و صبرت واحتسبت و رأيت ذلك خيراً لي . و لو سَيَرني ما بين الأفق إلى الأفق لسمعت و أطعت ، و صبرت و احتسبت و رأيت ذلك خيراً لي . و لو ردّني إلى منزلي لسمعت و أطعت ، و صبرت و احتسبت و رأيت ذلك خيراً لي ) .
فأهل الفتنه علموا أنه بلسانه وقوة شكيمته وجسارته أنقادت له الجموع ولو شاء لأشار لها ولأطاح بروؤس الفساد إلا أنه حفظ وصية نبيه .

هكذا حسم الرجل الأمر وحدد منهجه ، هو لا يسكت عن باطل لكنه لا يقود فتنةً أبدا .
كان الإمام علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ يقول في أبا ذَرّ : ( لم يبقَ اليوم أحدٌ لا يبالي في الله لومةَ لائم غير أبي ذَرّ ) .

فلقد عاش يناهض أستغلال السلطة و احتكار الثروات حتى منعوه من الفتوى فرفض أن يخرسوه ، فقال لمانعيه : ( والذي نفسي بيده ، لو وضعتم السيف فوق عُنقي ثم ظَننتُ أني مُنفذٌ كلمة سمعتُها من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن تَحتزُّوا لأنفذتُها ) .
ذلك مثال شامخ للمعارضة الشريفة الشجاعة المستبسلة ، وأن المرء ليبصر ما يحدث حوله في أقطار الأمة فصيبه كمدا وحزنا . فكم من متلبس ثوب المعارضة و ماهو إلا عميلٌ خائن ، ما يكاد يظهر حتى تنكشف خباياه الخبثه ، فينفث سمومه في جسد الأمة . فالخونة في كل زمان ومكان {َلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً } الأحزاب14
والأدهى من المعارض (المصلحجي ) هو المعارض الغوغائي ، الذي يمضي خبط عشواء ، لا يعلم إلى أين يسير ولا ماذا يريد ، فيكون وبالا على قومه من حيث يدري ولا يدري ، و كم قد تم أستغلال أمثال هؤلاء لتنهب ثروات الشعوب وتضيع أوطانها .

فللمعارضة أصول ، فلا تصح المعارضة لمجرد المعارضة أو لإستعراض العضلات أو لتسفيه الأخر ولمجرد الإنتقاص منه ، أو يرى أن المعارضه تمنحه وجاهة في الناس ليقال أن لفلان رأي و شجاعة أو فلان من المهتمين بالسياسة ، فإنما تلك سفاهة خطيرة. ولا تصلح المعارضة بدون روؤيا وأهداف محدده واضحه ، ومنهاج قويم تنطلق منه .

لابد أن تكون لك إجندة وأن يكون لك هدف ترتكر عليه أفكارك ومبادئك ، ويجب أن تكون معارضا شريفا نبيلا وإلا كنت مجرد ذباب يراعي موضع الخلل ليس إلا .
وللمعارضه الشريفة أخلاقيات لا تخفى على ذي لب ، منها أحترام الخصم ، وأن يكون نقدك نقداً بناءاً لا غوغائيا همجياً . أن تكون معارضتك لا ترتكز في أنتهاك الحياة الشخصية للخصم وأنما أنتقد أعماله . نريد معارضة تدفع عجلة البناء ، لا معارضة تهدم ما تم بنائه . ولا تكون لأجد الحصول على مكاسب شخصية أنما لآجل رفع مكانة الوطن والمواطن والإزدهار والسمو والكرامة .

و المُعَارض الشريف لا يهرب من وطنه إلا مضطرا . وليسوا سواء من بقى في طنه يناضل من أجل الحق ومن هرب وصار ينادي من مكان سحيق . هو لا يطمح بمعارضته تلك لمجد شخصي ، أو مصالح فردية ، هو لا ينتهك حرمة خصمه ، بل يكون عادلا مع خصمة بذات قَدر العدالة التي تمناها أن تسود وطنه الغالي .

فخصمك مهما كان فهو بشر . وكما للبشر سيئات ، لهم كذلك حسنات ، وليس لأنه خصم أو لأنه في السلطة يصبح شيطانا رجيما يحق لك رجمه بما شئت و وقت شئت ، فخطيئة كبرى في حقوقنا أن نضيع بين الإفراط والتفريط ، بين مقدس مطلق لمن في السلطة وبين كارها مطلق لهم ، كشعب نحتاج أن ننظر بوسطية للأمر ، فأي ملك أو حاكم له أيجابياته و سلبياته ، فواجبنا أن نحافظ على الإيجابيات ونصحح السلبيات ونعارضها .

نحوكم العراق ، يقولون صدام كان (ديكتاتوريا) ـ ولن أُعِقب على هذه أبدا ـ و رأوا أنه يجب أن يزاح ، فأسأل أهل العقول :

هل يزاح بيد قوات أجنبية ؟
سيقولون : أنتم لا تعلمون ما عانينا ، فكيف نزيح هذا الدكتاتوري ؟

أقول : ليست إيران عنكم ببعيده ـ ولن أُعَقْب أيضا على تفاصيل الأمر ـ كيف تم أزالة الشاه (الدكتاتور) عن عرش إيران ؟

لماذا لم يستعن الخميني بقوات أجنبية وهو الذي جاء إلى طهران على متن طائرة فرنسية وبدعم غربي ، لقد كان يقدر ـ لو شاء ـ أن يجعل الإجنبي يطئ أرضه . لكنه كان يعلم علم اليقين ـ و هو مالا يخفى على عقل بشر ـ من
{ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } النمل34
هل تظن أن يأتي الأخر ويضحي بماله وأبنائه لأجلك ( ببلاش ) ؟
طبعا لا ، وهذه لم تخفى على أولئك الذين نصبوا نفسهم متحدثين بإسم العراق ، لكنهم لم تكن العراق أجندتهم ، بل المجد الشخصي والمصالح الخاصة من ثروة و سلطة وغيرها .

ثم أنكم دخلتم البلد وأسقطتم النظام ، فأروني ماذا فعلتم ؟

أين العدل ؟
أين الأمن ؟
أين تقسيم الثروة ؟
أين المساواة ؟

لي أصدقاء من العراق يحكون لي كيف يتم توزيع المنح الدراسية تبعا لحصص حزبية ، ثم أنه أن تصادف وجود طلب لأحد المحسوبين على أحد (المسوؤلين ) في السلطة ، فسيتم تقديمه على المواطن العادي حتى لو كان يتمتع بإحقيه من الناحية القانونية وحتى لو توفرت فيه الشروط أكثر من قريب ذلك ( المسؤول ) .

ثم أكان عهد صدام كله سيء ؟؟!

ألم توجد حسنة أبدا ؟

لقد أطلعنا على كثير من التقارير الغربية وتقارير الأمم المتحدة تتحدث عن المستوى العالي في العراق أيام صدام حسين في شبكة المواصلات وفي الناحية الطبية وفي أرتفاع عدد العلماء النوابغ وخاصة في الكيمياء والفيزياء والطب وفي مجال التعليم .

أين كل ذلك الأن ؟

ألم يكن حقيقا على أولئك المدعين أن يحافظوا على تلك الإنجازات ، وليبدؤا من حيث أنتهت ، لأجل سمو الدولة و رُقيّها و إزدهارها ؟

لكن ماذا حدث ؟؟
أحرقة المتاحف ، وأحرقت أكبر مكتبه تضم مآثر هذه الأمة ( مكتبة دار الحكمة) ، وضاعت تحف سومارية وآشورية ، وصارت من المقتنيات الشخصية لأثرياء أروبا وأمريكا ، وقتل العلماء بكافة تخصصاتهم ، ومنهم من لاذ بالفرار نجاة بحياته فتلقفتهم أمم أخرى ، لنخسر نحنا أولئك النوابغ ويستفيد من علمهم ونبوغهم غيرنا .

والتعليم فتلك قصة حزينة ، تُظهر الوجه البشع لأهل المطامع و الدثور المتسترين بعباءة المعارضة .
إليكم قصة التعليم الحزينة : أيام كان صدام حسين ( نائبا لرئيس ) العراق بدء مشروعا طموحا ، وهو محو الأمية في دولته ، يظهر مدى جدية الرجل في تأكيد هذا الطموح ولبلوغ الهدف السامي له أنه سن قانونا يصل الى السجن ثلاث سنوات لمن يتخلف عن فصول محو الأمية لتعلم القراءة والكتابة .

ماذا كانت النتيجة ؟؟؟

النتيجة هي أن أختارت الأمم المتحدة العراق عام 1982م بلدا ( خاليا ) من الأمية ، بينما مستوى التعليم في عام 1973 م أقل من 40% ) .

واليوم بعد أن أتى اؤلئك المعارضين المزعومين ، صار أطفال العراق في الشوارع بين متسول ، أو بائع بانزين يمتص البنزين بفمه ليدفعه عبر الخرطوم ويسكبه في خزان السيارات التي يبيع لها البنزين مقابل دينارات لا تساوي ثمن صحته والخطر المحدق به من هذا العمل ، وأخرون يعملون هنا وهناك في ورش نجارة أو خبازين أو حمالين ، ليعولوا أسرهم فضحوا بالتعليم مقابل لقمة العيش .

ستعود الأمية في العراق أقوى مما كانت ، بفضل (المعارضين المزعومين ) .

مَتى يَبلُغ البُنيانُ يَوماً تَمامَه ** اِذا كُنت تَبنيهِ وَغَيرك يَهدِم
في كتاب الأستاذ خليل الدليمي ـ محامي الرئيس صادام حسين أيام محاكمات الأمريكيين له وأعوانهم ـ ( صدام حسين من الزنزانة الأمريكية : ماذا حدث ) أورد مقالا للأستاذ علي الصراف كنموذج من مجموعة مقالات لهذا الرجل الذي كان طيلة حياته معارضا لصدام حسين ، كان هذا المقال شاهد للأستاذ علي الصراف كرجل وطني ومعارض شريف ، لأنه وببساطه أمتلك الشجاعة لأن يعلن للملأ ـ عبر مقالاته ـ عن حسنات أمتلكها خصمه ، وما خشي أن يتهمه أولئك القابضين على رقاب العباد بأتهامات وسب فاحش تعودوا أن يطلقوها على خصومهم حتى في أبسط المقابلات الصحفية ، تحية لشجاعة ذلك المعارض النزيه ، ولكل محب لوطنه ، ولكل نزيه وشريف .

وأخيرا ...
كُنْ معارضاً شريفاً بلسانك ونبل أخلاقك لا بسيفك ولا تكون عونا على أمتك بل عونا لها ، أو أترك المعارضة لمن هم أجدر وأعلم بأصولها منك ، لأنَّ :

من يُلاقِي النار بالنارِ يزِدْهَا ** لهَباً أطفاءهُ يغدُو مُحالاَ

لا نامت أعين الجبناء



تقبلوا فائق إحترامي

الثلاثاء، 1 مارس 2011

لا تقسموا الإسلام لتُرضوا أهوائكم ...

http://www.egyptlabtours.com
محمد إسماعيل الصيفى
0108230096


" لا يمكن أبدا أن تكونَ علمانياً ومسلماً في آنٍ واحد "
رئيس الوزراء التركي / رجب طيب أردوغان



نحن أُمة تقرأ ، ولكن ..

http://www.egyptlabtours.com
محمد إسماعيل الصيفى
0108230096





" الجوعى لا يمارسون الفضيلة "
منيشيوس ، فيلسوف صيني






" أن العرب أمة لا تقرأ وإذ قرأت لا تفهم وإذا فهمت لا تعمل " تُنسب هذه المقولة للعنصري السفاح الصهيوني موشي ديان ، سبب قولها ـ كما يُنسب ـ أنه نَشر بعضا من خطط حرب 1967م وعندما سؤل أجاب بهذا الجواب .

مقولة رددها مُغرضون وبغبغاوت ، وسأبدأ من سبب قول هذه المقوله ، أن نشر أوعدم نشر خطط الحرب لا يُغير من مجرى الحرب بالنسبة للشعب الذي يقرأ مخطط جيش معادي أو لا يقرأ ، لأن قرار الحرب منوط بالقادة السياسيين والعسكريين لأي أمة .

عندما كانت المقاومة العربية في أوجها في حرب عام 1948م تم أيقاف كُل شيء بأمر من الحكومة المصرية ، قال اللواء سيف الدين ـ وكان قائد الجبهة وكان هو رئيس الوفد المصري المفاوض في رودوس ـ حين سأله كامل الشريف عن سبب حصول اليهود على الأراضي الفلسطينية بسهولة في خضم المقاومة العربية فأجابه بكل بساطة : ( نحن اعتبرنا كل أرض ليست مصرية هي إسرائيلية ) ، وفي نفس الحرب بعث المجاهد عبدالقادر الحسيني رسالة إلى جامعة الدول العربية بتاريخ 6 أبريل / نيسان 1948م نصُهَا : ( أني أُحَمّلُكم المسؤولية بعد أن تَركتم جنودي في أوج أنتصاراتهم بدون عون أو سلاح ) . في اليوم التالي أستُشهد هذا القائد بسبب نفاد الذخيرة ثم سقط القسطل في أيدي اليهود وبعد يومين وقعت مذبحة دير ياسين .

ومثال أخر ، فيما يسمى الثورة العربية للشريف حسين بن علي فإن سذاجة و جهل هذا الرجل بمكر الإنجليز أو تساهله أو حرصه على تنفيذ مصالحه ( التي وعده بها السير مكماهون في مراسلاته المعروفة باسم مراسلات حسين مكماهون ) جعله يُصدق هنري مكماهون ـ كان الممثل الأعلى لبريطانيا في مصر ـ ورمى عرض الحائط بكلام الثوار والقوميين العرب والسوريين المتواجدين في مصر عندما أبلغوه عن مكيدة الإنجليز وعن ـ ما يسمى ـ وعد بلفور الذي نشرته الصُحف البريطانية .
السلطان عبدالحميد الثاني كان واعيا لما أراده اليهود في فلسطين ، لذا رفض أن يبيع لهم قطعة أرض في فلسطين لما طلب ( ثيودور هرتزل ) منه ذلك ، وكذلك عندما أغروه بشراء مزارعهِ السلطانية في فلسطين بمبالغ خيالية ، لكن معرفة الرجل بما أراده اليهود وأخلاصه لأمته ـ رغم الضائقة المادية الكبيرة التي كان يمرُّ بها هو شخصيا وكذلك دولته ـ جعله يرفض طلبهم ، لكنه مع ذلك خسر حكمه ، فرفضه ذاك كان سبب أسقاط حكمهِ وجلب العلمانيين الماسونيين لحكم تركيا بالإضافة إلى ما كان يسمى بالثورة العربية . تلك أمثله أثبتت أن وعي الشعوب وحدها لا يكفي لنكسب حرب إذا كان قادة الحرب تابعين أو كانت لهم أطماعهم أو كانوا من المستبدين برأيهم . خلاصة الأمر أن سبب تلك المقولة باطل وهي محض أستهزاء بالأخر ليس إلا . فذلك السفاح البربري (ديان) يعلم علم اليقين أنه ما من قائد عسكري يمكنه أن يأخذ بخطة حربية ينشرها الخصم علاناً لأن أول ما يتبادر للذهن أنها مجرد مراوغة أعلامية أو مكيدة أو حرب نفسية من نوعٍ ما . وأما أسباب خسارة العرب تلك الحرب فلأسباب كثيرة كانت خلف خسارة حرب 1967 م وليس سببها عدم القراءة . رغم أني لا أنفي أن المعرفة مهمة جدا لكسب حرب في كل الميادين . من المغالطة القول بأن أمة بأكملها هي أمة مطلعة وتقرأ ، فكل أنسان ميسر لما خُلق له ، فهناك من يلتهم القراءة ألتهاما ومنهم من يراها ضربٌ من الجنون ومضيعة للوقت ، ومنهم أناس يكتفون للقراءة في مجالات تخصصهم فقط لأثراء معرفتهم فيها ، وأخرين بين أولئك . دائما نجد أنفسنا أمام من يقيم المقارنات بيننا وبين الغرب ، مع أن هذه المقارنة فيها أجحاف كبير في حقنا ، بالإضافة إلى المبالغة ـ وخاصة عند المنبهرين بالحضارة الغربية ـ في تمجيد كُل ماهو غربي دون أدنى منطق ، إذ نجدهم يبالغون مبالغة تحيدهم عن الصواب في أحيان كثيرة . الحضارة الغربية بها الكثير من الأشياء الجيدة ـ ولا أحد ينكر ذلك ـ لكن لنلجئ للمنطق في مقارناتنا ، يقولون الغرب يطبع سنويا كذا من الاف الكتب تفوق ما يطبعه العرب مجتمعين بكذا ألف مرة ، والغربي يقرأ كذا كتاب مقارنة بالعربي ، و غيرها من المقارنات . الغربيين يتمتعون بأسباب تمنح المقدرة على الإبداع وعلى تطوير الذات ، بينما لا تملك هذه الإمة ذلك ، و الغربيين ليس جميعهم يقرأون الكتب فكثيرون هم من لا يطيقون حتى مجرد ذكرها ، وليس كل الكتب التي يشتريها الغربيون هي كتب علم ومعرفة ، ثم أن الغالبية الساحقة من الغربيين تقتصر مطالعتهم على مجال عملهم وتخصصهم فقط ، فكل شيء مرتبط بالمادة عند الغرب ، فأنت أن كنت جاهلا في مجال تخصصك أو أخطأت فأنك ستتعرض لفقد وظيفتك بكل بساطة لأنك بالنسبة لتلك المؤسسات أنت آلة أنتاج تجلب لهم المال ، وهم ليسوا مستعدين للإحتفاظ بآلة لا تنتج أو أن أنتاجها غير مربح ، لذا فالمنافسة مستعرة ويجب عليك أن تثبت أنك جدير بوظيفتك . أنا لا أنكر وجود مثقفين غربيين موسوعيين ، لكن لولا المحفز المادي لما قرأ الغرب . أن دُور النشر والطباعة الغربية التي تقوم بطباعة ونشر الكتب تعمل على الترويج لتلك المواد الكتابية بنفس الطريقة التي تقوم بها شركات أنتاج السلع الإستهلاكية للترويج لسلعها ، ولا يخفى على أحد ما للأعلانات الترويجية من دور مهم وقوي في جذب الجمهور نحو فكرة ما ، تلك ميزة تتميز بها دُور الطباعة والنشر الغربية لا توجد في دور الطباعة والنشر العربية . أن العدد الكبير من الكتب التي يتم أنتاجها سنويا في الغرب ليست بالضرورة كتب علم ، فهي تحتوي على نسبة ضخمة من كتب السير الذاتية التي صار يمتهنها حتى عمال النظافة في الغرب بعد تقاعدهم من العمل ، بالإضافة إلى كتب تحمل ترهات ولكن يتم منحها أكثر مما تستحق مثل كتاب (صدام الحضارات ) لصامويل هنتنجتون و قبله فرانسيس فوكوياما في كتابه (نهاية التاريخ) وغيرهما ممن سبقوهما أو أتوا بعدهما من المُنظرين لتلك النظرية التي لا تحمل قيمة ، بالإضافة إلى القصص والروايات وغيرها . أنا لا أنكر وجود مشكلة لكنها ليست بهذه الطريقة التي يعرضها البعض ، ويروج لها ، وليست كما وصفها ذلك الصهيوني المتبجح ، أن الصهاينة جعلوا جُلَّ جهدهم لتحقير الحضارة العربية الإسلامية ، ولأظهار العرب والمسلمين بمظهر البرابرة الهمجيين البدائيين الذين لا يملكون حتى مميزات بشرية . وتلك عنصرية ليست بغريبة على من يعتقد نفسه شعب الله المختار . أن الاحصاءات التي تنشرها بعض الجهات لا تعتبر عملا أحصائيا حقيقيا ، فنحن لم نرى يوما عملا احصائيا لأحصاء من يقرأ الكتب ومن يشتريها ، ومن يهتم بها ومن لا يهتم . لذا فإن تلك الإحصاءات لا تحمل منطقا ، هي تظل مجرد تقديرات . فإنا أعرف الكثير من الناس يحبون القراءة كثيراً ، لكنهم نادرا ما يشترون كتابا وإنما يستعيرون الكتب من رفاق لهم أو يقومون بنسخها من أناس أو جهات معينة . لذا فإن عدد من يشتري الكتب يكون قليل بعض الشيء وبالتالي تعمل دور النشر لتقليل عدد النسخ الصادرة عن كتاب ما . وأن القارىء العربي صار يجد ضالته في الإنترنت ، حيث يتسع فضاء الحرية ولو الشيء القليل فأصبح يستطيع قراءة بعض الكُتب الممنوعة والمحضورة أن لم يكن جميعها . بالتالي هو ليس في حاجة لشراء كتاب يستطيع أجاده في النت . أما عن قلة العناوين التي يتم طباعتها سنويا في دور الطباعة العربية فالأمر يرجع إلى عوامل كثيرة وأهمها على الإطلاق عوامل أقتصادية وعوامل سياسية تلامس كل الوجهات بالنسبة للأقلام العربية : * أن قائمة الممنوعات التي تضعها الإنظمة المستبدة الخاضعة للرأسمالية الغربية تفوق كل التصورات ، وتتعرض الأقلام والعقول العربية للإضطهاد والملاحقات والتنكيل وأساليب التضيق عليها ، وأني أعلم الكثير الكثير من الكتاب العرب الذين لهم كتابات لم تطبع إلى الآن رغم أنهم فرغوا من كتابتها منذ سنوات بعضها يفوق العشرين سنة . ولا يقتصر هذا على الإنظمة المستبدة ولكن أيضا على الصهاينة الذين يسوئهم أن يرون للعرب براعة في شيء ما ، والجميع يعرف الملاحقات والأغتيالات التي طالت والتي مازالت تهدد الكثير من العقول العربية والتي يقف خلفها الموساد . * الفقر والتضييق المادي الذي في الغالب هو نتاج الفساد الإداري والتبعية التنموية للرأس مالية الغربية والتي تعمل على أمتصاص ثروات الشعوب وتكديس تلك الثروات لصالح تلك الدول الرأسمالية ، مما ينتج عنه الفقر والبؤس في الدول المضطهده وكل ذلك بمساعدة جادة وحثيثة من أنظمة هذه الدول المضطهده . في قصة لا تفارق مخيلتي أخبرني بها من أثق بصدق نقله حدثه بها أستاذهُ الجامعي وهذا الأستاذ من المغرمين بالعلم والقراءة وهو يذكر متحسرا قصة رجل من سوريا كانت له العديد من المؤلفات ، كان الرجل فقيرا وليس لديه أولاد ، ومع ذلك كان يؤلف الكثير من الكتب ولم يتمكن من طباعة أي كتاب منها لفقره ، وعندما توفي أضطرت زوجته الفقيرة التي لم تجد مالا لتشتري وقودا يدفئ بيتها من برد الشتاء فأضطرت لحرق أوراق زوجها ، وما تلك الأوراق إلا خلاصة فكره . * ومن أسباب قلة الكتب التي يتم طباعتها هي قلة المال أيضا بالنسبة للقارئ ، فهو لا يقدر على شراء الكتب فهو بالكاد يقدر على توفير أحتياجات أسرته المادية . فدُور النشر لن تطبع كتبا هي تعلم أنها لن تستطيع بيعها وتعويض قيمة طباعتها . ولمن كل همهم هو أثبات نظرية ذلك السفاح الصهيوني ، و أظهار العرب بأنهم أمة لا تملك أي حسنات ولا تملك أي مقدرات عقلية أو مهارية أقول أن المؤسسات الغربية مليئة بتلك العقول العربية والتي تقدم الكثير من الإبداع . ناهيك عن العقول التي يسعى الأعداء لطمرها هنا و العقول التي تم أغتيالها . * يتحجج البعض في محاولة تأكيد تلك المقولة بأن هناك من العرب الذين هاجروا للغرب وأنقضى سنوات على وجودهم هناك ولكنهم ـ رغم تلك السنوات ـ لا يجيدون التحدث بلغة تلك الدول بشكل جيد ، ليس من حيث اللكنة أو اللهجة وأنما من حيث اللغة ، وأنهم لا يحبذون الإلتحاق بمدارس تعليم اللغة التي توفرها تلك الدول للمهاجرين الجدد . والجواب : أن هذا أمر لا يمكن تعميمه ، بالإضافة إلى أن هذه الصفة ليست مقصورة على العرب وحدهم ، فأن المتمعن يرى كثيرا من المهاجرين من غير العرب الذين يستوطنون دولا غير دولهم فتجدهم في الغالب لا يميلون لأجادة لغة تلك الدولة مالم تستدعي لذلك ضرورة ـ كالوظيفة مثلا ـ ونجد أن أغلبهم يتعلمون العامية فقط دون لغة الأدب وذلك لعامل أحتكاكهم بشعب تلك الدولة وليس لأنهم أجهدوا أنفسهم بتعلمها . ونجد منهم من لازال لا يستطيع فهم الكلام العامي لتلك الدولة ومن يتفحص مجتمع الولايات المتحدة تحديدا يستطيع أن يرى الأمر بوضوح تام وذلك لحجم المهاجرين الكبير وتنوعهم الأثني الكبير، إذن فالأمر طبعي جدا ، وليس في القوم من بأس ، وليسوا بدعاً من الناس . * يقولون أن معدل ما يخصصه المواطن العربي للقراءة سنويا كذا مقارنة بأترابه من الغربيين ، هنا أعود للتأكيد على أن ما من أحصاءات حقيقية في هذا الشأن ، بالإضافة إلى عدم دقة هذا التعميم ، هذا من جهة من جهة أخرى أن جميع أقطار الدول العربية ـ إذا استثنينا دول الخليج إلى حد ما ـ فأنها دول تعيش أوضاعا أقتصادية مأساوية بصدق مقارنة بثرواتها ، ونجد الأنسان يعمل في أكثر من وظيفة لتوفير دخل متدني جدا في جو من عدم تكافئ الفرص وعدم المنافسة النزيهه في سباقات الحصول على العمل . كل ذلك الصراع لا يمنح الإنسان الوقت للقراءة ، وأن وجد بعض الوقت فأن عدم الإرتياح النفسي والقلق الذي لايفارق الإنسان على مصيره ومصير من يعوله لا يترك مجالا لممارسة القراءة ، أن همّ الحصول على لقمة العيش لا تجعل الإنسان يشعر بالإغراء للقراءة . عكس الغربي الذي يتمتع بدخل مادي كبير بالإضافة للعدالة الإجتماعية والقانونية ، وعدم وجود إلتزامات أجتماعية مثل التي توجد عندنا ، بالإضافة لمحفزات القراءة حيث أن القراءة جزء من الكسب المادي والثبات في الوظيفة في الغرب وهذه صفة لا توجد عندنا إلا في الشركات الكبيرة والتي هي في الغالب فرع عن شركات رأسمالية تعتبر الإنسان رقما وآلة أنتاج . * هناك من يقارن بين عدد الاختراعات في دول غربية والكيان الصهيوني سنويا تفوق المخترعات العربية ، أأكد على أمر مهم جدا وهو أن عندنا العديد من الشباب المخترعين لكن حتى أجراءات الحصول على براءة أختراع معقدة جدا ، بالإضافة لقلة الدعم المادي للمخترعين وأن أغلبهم هم أناس لا يملكون المال لترويج لأختراعاتهم ، غير التضييق الذي يجده أولئك المخترعين وتلك العقول وفق سياسة عدم أيجاد تنمية بشرية حقيقية وذلك خدمة لمصالح الرأسمالية الغربية لذا نجد أن أنظمتنا المستبدة تدفع مبالغ ضخمة على ترهات وفي المقابل لا تدفع إلا الزهيد من المخصصات المالية لتطوير العلم والأبحاث ، عكس ما يفعله الغرب كل ذلك خدمة للكيان الصهيوني والذي يعتبر من أكثر الدول في العالم الذي يخصص مخصصات مالية عظيمة للبحوث العلمية تفوق حتى الولايات المتحدة . * يقول بعض المستشرقين بأن العرب أمة تعتمد على المشافهة ، وكالعادة هناك بغبغاوات تردد ما يقال بلا وعي وتحلف بأيمان الله بأن الغرب لصادقون ، ووالله أنهم كاذبون . نعم في مرحلة ما كان نقل المعلومات والعلم يجري مشافهة عند العرب وكان ذلك عندما كان الغرب غارقا في وحل الجهل ، ولا يملك حتى تلك المشافهة في نقل العلم والمعلومات . اللغة العربية لغة جميلة ، لذا برز فيها فن المناظرات وعلم الكلام ، وهذا أثرى نقل المعلومات مشافهة في أمة كانت لظروفها المعاشية لا تهتم بالكتابة ، لكن بعد أن تتطور حالها أصبحت تكتب وتدون ، بل وتستدرك ما كان يدور على ألسن الأجداد والسابقين ، لذا فإن من يتحجج بأن كتاب ( تاريخ الأمم والملوك ) لمحمد بن جرير الطبري ذي المجلدات العشرة نسبة كبيرة منه منقولة مشافهه فهي حجة عليه لا له ، لأن الطبري سجل قسما كبيرا من تاريخ كتابه عما كان قبله حيث كان الناس لا يكتبون ، وفي عهد الطبري ـ في العصر العباسي ـ كان العرب بدأوا منذ عهد قريب تدوين تاريخهم وملاحمهم وماتناقله السابقون ، لذا فأن الكتَّاب الذين دونوا بعد الطبري أستعانوا بكتبه ، وكذلك الكتَّاب الذين دونوا في علوم أخرى كعلم الأدب واللغة والتفسير والفقة ، هذا غير الكُتُب التي وضعها أصحابها لشرح ما توصلوا له من علم وأختراعات في مجال الهندسة والطب والكمياء والرياضيات وعلوم البحار . لذا أقول مدّوا بصركم قبل أن تتفلسفوا وقبل أن تؤكدوا مقولة جاهل أول مُغرض . ويأتي أناس ليستشهدوا بمقولة نزار قباني حين قال : ( لاريبَ أن الأغنية لعبت دورا كبيرا فى إطلاقى إلى الآفاق ، والسبب هو أن الشعب العربى يقرأ بأذنيه..) . فوالله ما أصاب قباني في قوله أبدا ، وإلا لماذا يحفظ الناس إلى يومنا هذا شعر أبي تمام وشعر البحتري والمتنبي بل ومن كان قبلهم مثل عنترة و زهير بن أبي سلمى و الأعشى وحتى أشعار شعراء النهضة الحديثة مثل حافظ أبراهيم وأحمد شوقي و إيليا أبي ماضي وغيرهم ؟ لسبب بسيط أن شعر قباني لا يرقى للحفظ كالشعر العربي الأصيل ، بالرغم أن قباني ألقى العديد من قصائده في محافل كثيرة ألا أنها لم تتجاوز لحظتها يموت ردىء الشعر قبل أهله ** وجيده يبقى وإن مات قائله اللغة العربية لغة موسيقية بألفاظها وأوزانها المتقنة ، لذا حفظ الناس أشعار الأولين ، بينما لم ينال الشعر الحديث ذلك الحظ إلا أن غناه مغني وذلك لسبب بسيط هو أن هذا المغني يمنح الموسيقى التي تفتقر لها تلك الكلمات . بالإضافة إلى أن سماع أغنية لا يحتاج لوقت فارغ لها كما يحتاجه الكتاب ، فيمكنك سماع الأغنية وأنت تقوم بعملك أو وأنت مسترخٍ . * أما من يعيبون أن العرب يقرأون بصوت مرتفع ، فهذه ليست سمة عامة ، ففي القطر الذي اعيش فيه أجد أناس في السبعين والثمانين من عمرهم يقرأون في صمت وسكون ، قراءة تأمل وتفكر ، مع أن بلادي هذه لم تعرف المدارس العصرية إلا بعد سنة 1970م ، لذا لا يحق لك أن تعمم ما تراه في قطر ما على جميع العرب ، بالإضافة أنه حتى في ذلك القطر تجد من الناس هذا وهذا من طرق القراءة ، وأن كنت تقصد بقولك هذا هو الإشارة لقراءة القرآن في الكتاتيب فتلك أشارة غير مقبوله لأنه حالة خاصة ولا يصح تعميمها كنمط ، أضف إلى كل ذلك أنه سواء قرأت بصوت مسموع أو في صمت لا يعني هذا أنه دليل على أننا أمة لا تقرأ ، فالقراءة هي القراءة أي كان حالهم ، فالعبرة في أن أقرأ أو لا ، وفيما أستفيده مما اقرأ . * يعيبون تعلم العرب للغات الأخرين ـ ولا أدري ما علاقة هذا بالقراءة أو أين العيب فيه ـ ويرى البعض أن العرب بالغوا في تعلم العبرية مثلا في حين أن اليهود ـ إلا القلة منهم ـ لا يتعلمون العربية بل ويحتقرونها ، أن من تعلم لغة قوم أمن شرهم والعرب قوم يحبون تعلم لغات الأخر منذ القدم ، ولا يضيرهم أن كان الصهيوني العنصري تجعله عجرفته من تقبل الأخر وخاصة العرب ، ولو مُكن هؤلاء البكاؤون الصهاينة لقتلوا كل البشر ، ولما تعلموا حتى الأنجليزية ولا الألمانية ولا غيرها ، لكن لأجل بكائهم ولأنهم يعشقون البكاء بلغات أخرى فهم مضطرين لتعلمها . وأما عن ضعف حركة الترجمة فأن المترجمون العرب ، يسعون جاهدين في هذا المضمار ، إلا أن العوائق المالية والسياسية تعرقل كل الجهود وتمنع الأنتاج . * أن الإنظمة المستبدة ومن يقف خلفها من الأعداء يهمهم جدا أن نشر الجهل والفوضة ، وبما أنهم لا يستطيعون عدم فتح مدارس لتعليم أبناء شعبهم لأن ذلك سيفضح بجلاء مخططاتهم ، لذا ينشرون الأمية المقنعة ، وهي عبارة أيجاد أجيالا لا تحمل لأمية الأبجدية ، ولكن تحمل أمية فكر ، لذا تعمل هذه الإنظمة على أيجاد مناهج دراسية غير مجدية ، وأساليب تدريس تنفر الطلاب من العلم والقراءة ، وهم يستغلون في ذلك أسلوب الرهاب النفسي ولكن بقدر ما يحققون به غاياتهم فقط . وفعلا هم ينجحون . هذا بالإضافة أنه بسبب الفقر يضطر عدد كبير جدا من الأطفال لترك المدرسة وذلك للعمل في سن مبكر جدا . أن حضارات الأمم والشعوب قامت حين وجد الأستقرار والشعور بالأمن ( الأمن المادي ، والأمن النفسي والأمن في الوطن ) لأن النفوس حينها تتوقد بالإبداع ولا يبدأ الأبداع إلا كانت القراءة والنتاج الكتابي حاضرا بقوة . أن لأزدهار أي مجال في حضارة أمة ما عدد عوامل لأبد أن تتظافر أن وجود الخوف وعدم الإستقرار والأمن في نفس الإنسان تنفي عنه أهتمامه بالعلم . كانت الأمة العربية أمة كر وفر ، وحروب وغزوات لا تنتهي ، ورغم وجود الشعر ـ كنتاج ثقافي ـ إلا أنه أقتصر على التناقل الشفاهي ، لكننا نرى أنه بعد أن أستقرت دعائم الدولة الإسلامية ، وأستتب الأمن و أزدهر الأقتصاد ، أستقرت النفوس وأطمئنت ، والأهم من هذا وجود الزعماء والقادة المخلصين لأمتهم وشعوبهم الطواقين للمجد لأنفسهم ولأمتهم ، فتوقد الإبداع في شتى المجالات وأزهرت الأمة ، وفي مجال النتاج الكتابي والقراءة ، نجد الكثير من المكتبات ، حتى خطوط الكتابة أزدهرت وما يكتب عليه حيث تحول الناس من الكتابة على الرق والحجر إلى الكتابة على الورق ، ووجدنا مهن جديدة تظهر كمهنة الوراقين ، وأصبح القارئ يجد أكثر من نسخة للكتاب الواحد ، بعد ما كان المرء لا يجد إلا نسخة واحدة للكتاب فإن ضاعت أو تلفت ضاع العلم الذين تحويه . كان في العرب القدماء تجد النجار والحداد والقفاف وصانع الفخار قارئ موسوعي ، يوزع وقته بين كسب قوته وكذلك اللجوء لحوانيت الوراقين لقراءة الكتب أذا كان لا يقدر على شرائها . لأزدهار القراءة في أمة ما يتوجب : * توفر المال للكاتب والقارئ ، ليتمكن هذا من طباعة ما يكتب وليتمكن ذاك شراء تلك الكُتب . * الاستقرار النفسي للكاتب والقارئ . للكاتب حتى يبدع ويتقن ما يكتبه وليتوقد ذهنه فيستطيع العطاء ، أما القاريء فإن النفس أن أثقلتها الهموم فلا تتسع لغيرها من أمور ، وأن فقدت الحافز لعمل ما فأنها لا تنتهجه . * وجود الساسة المخلصين للأمة والوطن ، وكذلك الساسة الواعين ثقافيا و علميا . الذين يكرسون كل جهودهم لنشر العلم والوعي بإمانة وأخلاص ، وأن يستخدموا كل السُبل الممكنة لأجل ذلك ، كالإعلام الذي لا يخفى على ذي لب ما يلعبه من دورا كبير لتخدير العقول أو أنارتها . * الأمن والأستقرار في الوطن ، وعدم وجود الخوف ، لأن حضور الخوف في النفوس يقتل الأبداع . عدم الخوف من الجوع أو من العدو أو من النظام . * الدور المهم للأسرة ، فالوالدان المثقفان الواعيان ينتجان جيلا واعيا . أن وجود الأنترنت ليس سببا لتراجع قيمة الكتاب لكن الأمر يكون لأسباب منها الحرية في النت مقارنة بالواقع ، كذلك للأسباب التي أوردناها سابقا . ذلك أن الإنسان يشعر بالإلفة والطمئنية مع الكتاب أكثر من الكمبيوتر لأن الأخير مرهق للعين والجسد عكس الكتاب. لذا لا يمكن أبدا أن تتراجع مكانة الكتاب وأن حُجب عنَّا . بطبيعة الحال أعشق أمتي وأتمنى لها كل خير وأن تكون أفضل وأعظم الأمم دوما ، ولا أذكر تلك المقارنات والحجج لكي أوجد الأعذار على هذا الوضع ، لكني أجد من يبالغ في أكالة التهم على أمتي وكأنه لا يوجد أي شيء جميل بهذه الأمة ، وأن كل شيء فيها سيء سلفا حتى بدون النظر فيه . وأخيرا ... مقالي هذا ليس لأنكر أن لدينا مشكلة ولكن لسببين الأول عدم ترديد كلام الغير بدون بصيرة ، والثاني لأاكد أن العرب ليسوا من فصيلة عقلياتها ركيكة وأنما هي ظروف تؤثر . أنا لا أنكر وجود مشكلة في الموضوع ، لكن ما أنكره هو السطحية في تناول الموضوع التي ترضخ لفكر الأخر .

لماذا التخريب ؟

http://www.egyptlabtours.com
محمد إسماعيل الصيفى
0108230096





والمسؤولية تقع ليس على أولئك الغوغائيين وحدهم بل حتى على الشباب المتاهرين الأخرين ، لأن واجبهم كان يقتضي أن يوقفوا أمثال هؤلاء حين هموا لتخريب والتدمير ، وتقع المسوؤلية أيضا على السلطان قابوس بصفته رئيسا للوزراء في عمان ، أذ أنه سمح للأمور بأن تصل إلى هذا الحد بتغاضيه عن هموم شعبه ، وبتمسكه العجيب ببعض الشخصيات في مناصب وزارية ، شخصيا لم تقدم أي أنجاز مهم للدولة والشعب ، شخصيات تعفنت على كرسي الوزرارات حتى صارت الوزارة وكأنها مجرد شركة خاصة مملوكة لذلك الوزير وأتباعه وأهله .
في كل المدن العمانية ـ في مدينة البُريمي و مسقط و صُحَار وجاءتنا أنباء عن خروج أهل ولاية ضَنك أيضا ـ نحن نُحمل المتظاهرين والمعتصمين مسؤولية التنبه للمخربين ، وأفشال جميع مساعيهم التخريبية ، حتى لا تصبح قضيتكم الناجحة في أيد فاشلة ، وحتى لا تفقدون الشرعية في المطالبة بحقوقكم . لقد نرأينا مسيرة مسقط ( المسيرة الخضراء الأولى والثانية ) ومظاهرات محافظة ظفار وكيف أنها سارت بسلام وبأسلوب راقٍ ومنظم ، أنتهى بإيصال مطالب المحتجين للسلطان والباقي في الطريق . لذا لن نقبل بأقل من تلك الصورة أن لم يكن بأفضل منها .